في محاولته الثانية للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة، طلب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)، 2012 من الجمعية العامة أن تقبل طلب منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، وقد وافقت أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء بلغ عددها 138 دولة على الطلب. في الوقت الحاضر، فإن تأثير هذا التصويت يعد رمزياً إلى حد كبير، ولكنه يعني بالفعل أن "فلسطين" هي الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967. والآن، وعوضاً عن معنى الشعب الذي تبرزه كلمة "فلسطين"، فإن هذه الكلمة تشير إلى دولة رسمية ضمن إطار القانون الدولي. إن مرحلة ما بعد هذا التصويت ستبين أنه بالنسبة للعديد من الدول التي حصلت على الاعتراف باستقلالها، فإن التباينات والتوترات بين الشعب والدولة ما زالت مهمة.
المعنى الرمزي لتصويت الأمم المتحدة
إن الرمزية التي يحملها تصويت الأمم المتحدة واضحة تماماً. فقد تم رفع صفة السلطة الفلسطينية إلى دولة غير عضو. ولكن، وفيما يخص الهدف النهائي للفلسطينيين بالحرية والسيادة، فإن الوضع الجديد يحمل معنى ضئيلاً للغاية. فدولة فلسطين ليست قريبة بأي حال من الأحوال لفلسطين التاريخية، والتي أزاحها عباس جانباً مؤخراً حين أسقط حق الفلسطينيين في العودة. وفي هذه الحالة، فإن صفة الدولة قد تمثل تغييراً قليلاً في صياغة الوضع السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية (PLO) كمراقب غير عضو والذي تمتعت به منذ عام 1975. فقد اعترفت غالبية الدول الأعضاء في السابق بفلسطين كدولة، وقام العديد من الدول بذلك بعد إعلان عرفات أحادي الجانب لدولة فلسطين عام 1988.
تكمن الرمزية أيضاً في إقرار الوضع الجديد لفلسطين أن الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية مقبولان فقط في الضفة الغربية منذ الانقسام بين فتح وحماس في 2007. إضافة لذلك، فقد انتهت مدة عباس الرئاسية في 2009، ولكن بسبب الانقسام (إضافة إلى عوامل أخرى) فلم تجر انتخابات رئاسة فلسطينية منذ 2006. إن الولاية المؤقتة للسلطة الفلسطينية في أن تكون "سلطة حكم ذاتي" انتهت منذ عام 2000. وفي الحقيقة فإن عباس لا يملك حتى تفويضاً شعبياً ليطلب من الأمم المتحدة أن تعترف بالدولة.
جانب آخر من الرمزية في هذا التصويت هو أنه يمنع السلطة الفلسطينية من التفكير في خيار الدولة الواحدة، وبما أن إسرائيل لا تملك حدوداً معترفاً بها دولياً، فإنه من الصعب تصور كيف سيتم رسم حدود الدولة الفلسطينية.
الآثار العملية لإقرار الدولة
أحد الآثار المهمة لإقرار وضع الدولة أن العرب الفلسطينيين أنفسهم يجب أن يتم تحويلهم من أفراد في دولة غير ذات سيادة إلى مواطنين فعليين في دولة. وبينما يعتبر مثل هذا الأثر بالفعل شيئاً حقيقياً، وتاريخياً، وعملياً فإنه من اللازم أن يتم العمل على بلورته في الأشهر والسنوات القادمة.
يمكن لنا أن نجد البداية الصحيحة للقيام بهذا التغيير، إضافة إلى الآثار العملية الأخرى لإقرار صفة الدولة، في مجموعة من النقاشات التي تمت منذ تقديم الطلب الأول لمنح صفة الدولة الكاملة في سبتمبر (أيلول) 2011 لمجلس الأمن- والذي أجهضه الفيتو الأمريكي. فعلى سبيل المثال، عقد مؤتمر في إبريل في الجامعة العبرية في الضفة الغربية ضم مجموعة من الأكاديميين وصانعي السياسة من الضفة الغربية، وغزة أيضا عبر اتصال فيديوي، والقدس، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وأوروبا لمناقشة الآثار السياسية والقانونية المترتبة على منح صفة الدولة لفلسطين. لقد أبرزت العديد من النقاشات الأخيرة بوضوح الحاجة إلى فهم المواطنة الفلسطينية بعد أن تم إقرار صفة الدولة لفلسطين. إن مفهوم المواطنة يستحق تحليلاً فيما يخص الجوانب القانونية والصفة الدولية المعترف بها، إضافة إلى علاقة المواطنة بالجنسية والهوية الموثقة. إن الموضوع الذي نتناوله هنا هو معنى المواطن الفلسطيني في مقابل حامل الجنسية الفلسطينية وكيف يمكن أن يتم استيعابهما في الدولة الفلسطينية.
إن المطالب والمقترحات لقيام دولة فلسطينية مستقلة تجمع الهوية العربية لأغلبية السكان قد تم تقديمها من قبل زعماء فلسطينيين عرب لحكومات ومنظمات دولية عديدة منذ عام 1918، وهو العام الذي بدأت فيه الادارة البريطانية بإدارة الأراضي التي عرفتها على أنها فلسطين. لم تتمتع" فلسطين" منذ نهاية الانتداب البريطاني عليها عام 1948 بصفة تقترب من صفة الدولة أو بحدود معترف بها أو بتشريع يحدد صفات المواطنة، وبالتالي فإن السكان أنفسهم لم يكونوا مواطنين فلسطينيين منذ ذلك الحين، رغم أنهم كانوا مواطنين في الحكم الاستعماري.
دلالات الهوية والمواطنة الفلسطينية بعد 1948
بعد عام 1948، لم تعد المواطنة الفلسطينية موجودة وحلت محلها الهوية الفلسطينية، سواء في المهجر أو في الأراضي المحتلة، كهوية معترف بها عالمياً لكل الفلسطينيين. إن وجود الهوية الفلسطينية فقط، وليس المواطنة، كان له تأثيره على السلطة الوطنية كدولة. وبكل تأكيد فإن الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة يختلف عن الاعتراف بالشعب الفلسطيني كدولة. إن الدولة، وهذا لا يعني المعنى البسيط للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، يجب أن تصبح المانح الوحيد للحقوق والواجبات لكل المواطنين. يبقى على الدولة مسؤولية تفعيل تشريع لمفهوم حمل الجنسية ولتنظيم المواطنة إما عن طريق النسب، أو عن طريق الولادة في المناطق، أو عن طريق مواد قانونية لمنح الجنسية. في الوقت الحالي فإن إسرائيل هي من يقوم بتنظيم منح وثائق الهوية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
في عام 1947، اقترح قرار الأمم المتحدة رقم 181 أن يصبح العرب الفلسطينيون واليهود مواطنين في الدولة التي يقيمون بها حسب التقسيم المقترح مستقبلاً لفلسطين. ومن المعروف طبعاً أن ما حدث عام 1948 لم يتبع قرار التقسيم الأممي. منذ عام 1948 وحتى إصدار قانون الجنسية الإسرائيلي في عام 1952، كان الفلسطينيون العرب في الأراضي الاسرائيلية محرومين من الجنسية والمواطنة في مخالفة للقوانين الدولية لتوريث الدول. وبعد احتلال إسرائيل لباقي فلسطين التاريخية ، جاءت المادة الرابعة من الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1968 لتؤكد على أن الهوية الفلسطينية تكتسب عن طريق علاقة الدم (النسب)، وعلى أن صفة اللجوء لا تلغي ذلك. كما عرفت المادة الخامسة الفلسطينيين على أنهم " المواطنون العرب الذين أقاموا حتى عام 1947 في فلسطين بغض النظر إذا كانوا قد تم تهجيرهم من هناك أو بقوا في أماكنهم. فأي شخص ولد بعد ذلك التاريخ من أب فلسطيني- سواء داخل أو خارج فلسطين- يعتبر فلسطينياً."
تصدر إسرائيل حالياً بطاقات هوية للفلسطينيين المقيمين تحت الاحتلال- في الأراضي التي من المفترض أن تكون تحت إدارة الدولة الفلسطينية. وتصدر السلطة الفلسطينية جوازات سفر بعد الموافقة الاسرائيلية، ولكن الجواز لا يعادل صفة المواطنة. كلا الوثيقتين لا تصفان حاملهما على أنه مواطن أو من حملة الجنسية، ولكنهما في واقع الحال يعرفان حاملهما على أنه أحد سكان منطقة معينة.
أسئلة واقعية حول المواطنة في الدولة الفلسطينية
إذا عبرنا بالزمن إلى عام 1995، نجد أن السلطة الفلسطينية قد صاغت قانون الجنسية ولكنها لا تملك السلطة لاصدار تشريع للمواطنة بما أنها تعمل تحت الاحتلال الإسرائيلي. وفي فترة لاحقة، أعطت المسودة الثالثة للدستور الفلسطيني حق المواطنة لأي فلسطيني أقام في فلسطين قبل عام 1948، وبناء على النسب من ناحية الأم والأب. إن أحدث ذكر رسمي لموضوع المواطنة الفلسطينية والجنسية جاء في القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية عام 2003، في المادة السابعة التي تنص على: " يتم تنظيم الجنسية الفلسطينية بقانون" والأفراد الذين لا يحملون صفة المواطنة سيتم منحهم صفة تمثيلية ضمن "فلسطين".
مع ذلك فإن صفة الدولة تخلق بعض المشاكل. يطرح رأي جاي جودوين Guy Goodwin القانوني حول صفة الدولة الفلسطينية أسئلة حول المواطنة لفلسطينيي المهجر. يقول جودوين أن اللاجئين والمهاجرين سيخسرون تمثيلهم في الدولة المقبلة لأن المجلس الوطني الفلسطيني، وهو ممثلهم الرسمي، قد يتم حله. وهذا يعني أن أولئك الفلسطينيين لن يكون لديهم حق المشاركة في أمور الحكم كمواطنين.
إن تصويت الأمم المتحدة يلقي الضوء على قضايا مثل إمكانية أن تخلق الدولة الفلسطينية مواطناً فلسطينياً. وفي حالة قيام دولة فلسطينية مستقلة، فإنه يجب أن يتم إرساء قواعد للمواطنة الفلسطينية تضع شروطاً واضحة للفلسطينيين ليكونوا أعضاء في الدولة. ولكن ماذا عن التشظي في الأراضي الفلسطينية وفي صفوف أولئك الذين ليسوا مواطنين؟ لقد جادل فكتور قطان Victor Kattan أن كل الفلسطينيين فقدوا جنسيتهم بعد عام 1948، ولا يزالون بدون جنسية وطنية بسبب الحاجة إلى دولة فلسطينية توفر مثل هذه الجنسية.
إذا كانت الجنسية هي الصيغة التي تحدد المواطنة الفلسطينية، فإنه من الضروري أن نعترف أن الانسان الفلسطيني والمواطن الفلسطيني هما وضعان مختلفان. إن حق العودة هو الطريق لمنح المواطنة للفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج. بموجب القانون الدولي، فكل الفلسطينيين لهم الحق في العودة، وأولئك الذين سيعودون سيكون من المحتم أن يصبحوا مواطنين.
في الختام، يبقى السؤال حول ما إذا كان من الضروري أن يتم توضيح مفهومي المواطنة والانتخاب في الدولة الفلسطينية وبشكل رسمي ودولي في البداية، أو أنه سيتم منح مواطني المستقبل ( بمعنى الفلسطينيين في الخارج) وسائل تمكنهم من المشاركة في صياغة القانون الأساسي. إن البديل الأكثر إحتمالاً، بعد أن تخلى عباس عن حق العودة، هو أن مؤهلات المواطنة سيتم فرضها من قبل السلطة التنفيذية أو من قبل الناخبين في السلطة الفلسطينية. إن نهاية التفويض الممنوح للسلطة الفلسطينية سيلعب دوراً كبيراُ في اتخاذ القرار حول المواطنة إذا تم تحويل الدولة الفلسطينية المعترف بها بشكل رمزي إلى دولة حقيقية ذات معنى.
[ نشر المقال للمرة الأولى على "جدلية" باللغة الإنجليزية وترجمه إلى العربية علي أديب]